#
انا اقف الان على مرج العالم
ارتدي شروال البيجامة وحده
انا اقف في رأسي
ويديّ ملقاة على الارض
يسيل دمي في اوردتي
واضحك من هذا السيلان
ابدلوني قلب خنزير
حتى اعيش مدة السبات
ينز من ابطي عرق قذر
اجامع دمية في خيالي
كأنها وجه الملك
وطني تحت قدمي
انا في رأسي
ووطني تحت قدم الراعي
بكل ووجوهه المرقطة
ومؤسساته العالية والمذهبة
بعبيده واحراره وشيوخه وفقراءه
امشي فوق المرج
مشية صعلوك رعديد
ليس هو الشنفري
ولا محمد شكري
لا احمل في رأسي ورقة حناء خضراء
لا وزنا او شيئا
امشي فوق مرمر الوادي
مشية طاووس معتل
وجهي الاغبر ارضي
الوسخ تحت اظفاري قبلتي
انا اسكن في عمودي الفقري
واركل خصياني عند بزوق الفجر
تعصر لي ماء الحياة
انا أبدي
أي نسمة هي لي
وأي شقشقة لا تعنيني
اَندس في عباءة أمي
وارتعد
البرق يلج احشائي
وجدتي تضحك وتقرص حلمتي
انا امشي في رأسي
في بطني بحيرة طعام معجون
يخرج منه خراء
في ثقلي دودوة نصارية
وفي ظلي
امتد وانام..
24 سبتمبر 2013
#
قصيدة الصباح هذه المرة عن إبراهيم
قصيدة الفجر المؤبد
والنذور الممجدة في النفوس والبراري
فإذا ما فضضنا العهود
فإننا سنكتبها مرة ثانية بالمعاويل والكلام
في صدورنا من قبل مخرج الشمس علينا
يا ربنا عند الصباح
ادور في غرفتي افتش عن بعوضة ملعونة
لاكشطها من على أسطح هذه الكتب الباردة
أو ما بين الصحون البائتة وبقايا الطعام
وانحناءة الخوف والذكرى في هذه الحقيبة الكبيرة العذراء
كم يخدش روحي الآن مثل رغبة الليل في البقاء
والرياح في العويل او الارتياح
كم يا ربنا في العالم مثل إبراهيم
يعاندون الجنون في أرواحهم
ويدلقون على الوجوه ماءً باردا
عند الصباح
قبل أن تزهر الأغنيات فتاة بنهدين شيقين
أو قبل أن تخرج الطيور من أعشاشها
يا ربنا كم في العالم من زهور وأقبية
ومجاعات
ويسبقنا الخلود والشقاء فنصبح عيالك الخالدون الأشقياء
1 ابريل 2013
#
قصيدة المرج الذهبي وأنا 1786
وقفت في وسط سفيتني
في ظلمات البحر الهائج
كانت السواري تغني اغنية الهلاك الاخير
والببغاء المسجون يصيح فيّ ان اطلقه
" كم هو مخجل ان اموت غرقا !"
كنت نصف قبطان ونصف قرصان
شري قليل لكنه كاف
اجامع النساء الكبيرات في مواخير الموانئ
واقرأ لهن قصيدة جدي الاكبر موزو
"النسر موزو ملك القلعة"
واشرب الخمرة حتى اغيب
لاصحو على اخبار سرقة مدبرة
لطالما احترمت اللصوص
فوحدهم علموني الحقد والامل
سكت البحر وعاد الهدوء الينا
كنت حينها ارى سفيتني مرجا ذهبيا
عائما وكبيرا
كنت اقف عليه عائما
كان الموقف مذهلا
يشبه الخيال او ابعد من الخيال
كان معجزة
#
صديقي أيها الرائد
اني اكره ان اكون صدى
او اتعاطى مع افكار السلاحف
لكني افسح لها الطريق
واحترمها اذا التقيتها
اذا بنيتُ معتزلي
لن اقبل الصخور او الاشواك
ولن اصرخ كمعتوه البرية
ولكن سامضي الى اخر رحلتي
كحيوان منوي خبير وعتيد وشرس
لا يقبل بالهزيمة
وان مات مهزوما مكتئبا
سأكون جامحا بعض الاوقات في حياتي
وسأطور من ضحكتي
لتناسب صدري الذي اخذ يتسع
دون ان الاحظ اضلاعه
صديقي أيها الرائد
ما اعجب الطريق وكل شيء هنا
وكل شيء خلفي لا اراه
ما اعجب ما لا اراه..
$
لما شكى السيد ح.ن اليّ مسألة ابنه الرضيع اوليتها كل اهتمامي. كان طفله نوح يعيد المزج بين انسجة الحمام الميت وانسجة حمام حي من فصيلة اخرى ذات قرابة ليستنسخ عضلات امهر للاجنحة. في الثانية والعشرين من عمره اصبح متمرسا في تحسين طير الحمام جماعات. فقد كانت بعض القرى تلاحظ ضعف افراد من الحمام في متابعة التحليق مع جماعة الحمام في لحظات استجمامها قبل الغروب وفي الضحى. كانت تقنيته تقوم على تحسين مهارات الحمام الضعيفة حتى تفهم اشارات القيادة الجماعية التي تقوم بها الحمام معا، فيقل هذا الارتباك حتى يختفي تماما. وفي الاربعين من عمره تحول الى حمامة، وضاعف من جهده فبات يواجه مشاكل الحمام وهو في السماء وكثيرا ما رأيته يحمل مكبر الصوت بين جناحيه. التقيته البارحة في بار عتيق يرتاده الحمام المتقاعد وبعض البشر. رقصت مع نوح رقصة الصاعقة ورقصة النور الابدي ورقصة عندما يمر قطار الاله. اليوم وهو في السبعين من عمره بات يعمل متطوعا مع قنوات ديسكفري وناشونال جغرافيك، ينام قريرا ولا يشكو الا من بعض الالام في عينه ومنقاره. ويرفض دائما ان يدون قصته الغريبة.
$
عملت في الماضي في دكان جدي يحيى. وكان يصطحبني مع حماره كل خميس الى السوق. وفي الطريق وعند مكان اتذكره جيدا حيث تتكاثف الاشجار كان ينفس عن غضبه بضرب الشجر بعصاه حتى تتكسر، ثم يمسكني من عنقي ويعفر وجهي في الارض على التراب ثم يبصق عليه، وهكذا طوال عدة دقائق، فيمتلء انفي وفمي بالتراب والاغصان اليابسة المتكسرة الصغيرة، وتتجرح خداي قليلا.
&
كنت اتقلب على فراشي عند السابعة والنصف صباحا. العرق يدبق جسدي العاري، لست نائما ولست متيقظا، حالة عالقة ومشوشة من الوعي والانغماس او الغيبوبة. ومنذ عدت من السفر قبل ثلاثة اشهر لم ينزل المطر، واخيرا قمت من فراشي على صوت خطيب المدرسة يستسقي المطر، ويقول "اقلبوا ارديتكم.. ليبدل الله حالنا الى حال اخرى". توقفت امام شباك غرفتي، فاذا الضباب يغطي نصف الجبال، وبعدما انهى المحتسب خطبته لبعض الوقت، تقشعت السحب وظهرت السماء وخرجت علينا الشمس المعهودة.
$
حين ذهبت بابني الى المدرسة وجه اليّ مدير المدرسة انذارا بسبب التأخير، كان هذا منذ ما يقارب الشهر. وقبل خمسة ايام وجه اليّ انذارا اخرا، طلبت منه الانتقال معي الى الحمامات القريبة لنتناقش بهدوء، ثم تناولت عصا مسّاحة الحمام ومررتها في فمه حتى تصلبت في اخر امعائه بعدما مزقت بلعومه ومعدته وبعض اشحاءه. والان اقضي فترة من الهدنة معه، وقد اعتاد ان يحضر الطابور الصباحي واجتماعات هيئة المنطقة التعليمية والعصا في فمه.
#
قصيدة الدرج المستحيل..
اذا صعدت تصعد صعودا
واذا نزلت تنزل نزولا
اذا اشتقت ان تشتري فيشارا فقد تشتري فُشارا
واذا صاحبت علب الماء الفارغة ستكون فارغا
اذا كنت أبا ستكون مهتما
واذا كنت رجلا قد تكون سفاحا
واذا كنت شاعرا ستحب الدرج المستحيل
وقد تنقش على نفسك الحب او الشيطان
اذا كان مزاجك حسنا ستقبل بالعزاء
واذا كنت مظلوما فستكون جادا
اذا مازحت غرابا قد ينعب عليك وعلى والديك
واذا قذفت بمبادئك من الشباك قد تكون حرا
#
- ما قصيدة اليوم ؟
- بل قصيدة ما بعد الغروب
- كما تحب.. تفضل
- انه القمر وتقف الى جانبه نجمة
اذا نظرت اليهما تشعر بالغنى
واذا خفضت بصرك تسمع اصوات الصغار
يلعبون الكرة
عشرين هدفا مقابل ستة عشر
يخرج من القمر ضوء يذكر بليال قرية انتهت
وطائرة تعبر الجو تحت القمر
والسيارات تعبر الشوارع
وانا اغالب عطسة قوية
وقلبي ساكت بلا شيء
- انتهت هكذا
- نعم
- اعجبتني
- اشكرك
#
- عن ماذا تريد ان تعبر ؟
- عن السماء
- وماذا تود ان تقول عن السماء ؟
- اود ان اقول السماء السماء
- لمن تبتاع هذه السجائر ؟
- لأبي
- وأين ابوك ؟
- مستلق على سريريه في البيت
- ماذا يفعل ؟
- يضحك مع النجوم
- وانت الى أين تمضي ؟
- الى المجد الأبدي عند قمة الجبل هذه
- كم عمرك ؟
- سنين طويلة وشيئاً الضحك
#
قصيدة الشتيمة - 1993
اذا اقبلتم ايها الناس فاك يو
واذا اتيتم فاك يو
واذا جئتم فاك يو
واذا جلستم امامي فاك يو
واذا نظرت الى وجوهكم التعسة فاك يو
واذا قلتم لي خبرا فاك يو
واذا انتظرتم قطارا فاك يو
واذا ارتحلتم بأحزانكم فاك يو
واذا فضلتم كاتشبا مع وجبتكم فاك يو
او زيتونا اخضرا مع الجبنة المالحة فاك يو
واذا تنزهتم في الحديقة فاك يو
واذا اشتريتم مزهرية بورود صناعية فاك يو
او بدون ورود صناعية فاك يو
اذا كتبتم اصطناعية بدلا من صناعية فاك يو
واذا ازلتم شعر آباطكم فاك يو
اذا تحدثتم فاك يو
واذا مارستم الجنس فاك يو
واذا شعرتم بالخذلان أو الكره فاك يو
اذا كان تاريخكم يشدكم من رؤوسكم فاك يو
واذا كنت تخجلون من اساتيذكم القدامى حين تلتقونهم صدفة في الشارع فاك يو
اذا كنتم تكتبون فاك يو
واذا كنتم تثرثرون فاك يو
واذا كنتم تكتبون هراءكم العاجي النبيل فاك يو
$
- قصة الرجل الذي يزرع شجرة ليتظلل بها من الشمس، أي القصص يمكن تضاهي هذه القصة او تهزمها ؟!.
- أبداً .. لا يوجد
- اشكرك أيها اللامع .. صافحني على هذا، بل دعني اصافحك
- أهلا بك..
- مرحبا
- قصة كبيرة، نعم اوافقك على هذا جدا، ربما لن اتنازل عن رأيي هذا لخمس سنوات قادمات..
- دعني اقبلك في وجنتك، واصافحك مرة اخرى، هكذا.. تماما كما ذكرت "قصة كبيرة"، ياله من تعبير عظيم.. " قصة كبيرة" .. ااه، اعتقد انه اقرب ثناء الى نفسي سمعته منذ فترة ليست بالقصيرة يرد على أعمالي.. ثم انني.. اسمح لي، ان اقوم اليك واتقدم بتقدير المهلة التي اضفتها على التزامك الزمني لمدة خمس سنين.. هذا يريح مطامعي الأدبية نحوك..
- اتعاهد اليك.. خمس سنين.. متتاليات.. أبدا، لا يمكن. اكتب هذا عني، لقد علقت فوراً " قصة كبيرة" دون أي شيء..
- الشجرة مع الأغصان والظل يأتي تحت الشجرة والرجل يكون في الظل، يقف او يقرفص، ثم الشمس من هناك.. من الخلف او الفوق.. فعلا " قصة كبيرة".. انه التعليق المناسب جدا.. الله.. هكذا. سأكون مبتذلا لو صافحتك أخيرا.. ولكن لا احتمل مشاعري، اليك يدي... نعم بحرارة..
- سأصافحك كل مرة وفقا لهذا
$
بدأت ارى صديقي الميت قبل ثلاثة عشر سنة كل خمسة ايام منذ بداية العام. اتعلق بلحيته ويطير بي في السماء. ويهبط بي كل مرة عند بيت جدتي البعيد، فاعيد وصل الحرارة لهاتفها والتهم الأكل الذي يضعه المحسن على عتبة بابها، واعود مشيا الى بيتنا. فاذا رن الهاتف اقوم فألبس وامشي اليها مسافة ساعتين لاجيب على الهاتف.
&
لاحظ معي ان هذا كاتب محلي شاب. يختار مثلا مكانا كبرلين او باريس تحدث فيه القصة، وشخصا يدعى روغو او فرانسو ليمثل دور البطل. هذا الكاتب المجتهد قرأ اعمال عالمية - ما شاء الله عليه، وهو متأثر بها. انه يعتقد انه يستطيع ان يفهم جاذبية وافكار السيد روغو، او يبحث في آلامه النفسية والمجتمعية. انه يحاول ان يتمثل دور الاعمال التي قرأها. يعبر طريقا مختصرا الى قلوب العالم، هكذا قرأ النشرة وانطلق فورا الى خط السباق ثم هوووو اندفع كالمقذوفة المدفعية. يتحرك هذا الشاب السعودي ذو المستقبل الروائي القصصي المنتظر في حياة تختلف تماما عن الحياة التي يعتقد انه يعرفها بواسطة تصورات خياله التي تصنعها قراءاته، ولكنه بكل أناقة الاختباء الالكتروني المجيد هذه الأيام المباركة، يتجرأ ويكتب بلغة هادئة عجيبة. انه يسطر اشباحا في رأسه، لا وجود لها. مغرم هو بالاسلوب العالمي، يعتقد ان الامر له خلطة معينة او بهذا التعقيد والتركيز المحكم. خلطة ما تدفعه الى كتابة شيء لا يشعر به، ولم يختبره - يا للقسوة!- ولكن لأن الفكرة مثيرة، فلماذا لا ؟! . محاولة جيدة، أيها الفتى الخلاب؛ لا تحاول مرة اخرى. هذا الهراء، مقدورٌ عليه الآن. وسنعيد الدرس كل مرة، الذين كتبوا الخصوصيات، المغرقين في المحلية.. شوارعهم، حاراتهم، قراهم ،مدنهم ،لغتهم ،شخوصهم، نكتهم.. الى اخره، كانوا يكتبون عالمهم وعالميتهم رغما عنهم. لأن التفاصيل الخاصة جدا الغريبة جدا هي مثيرة للعالم جدا ومستفزة وغنية. والآن وبسبب خصام بيني وبين لغة السخرية وقع في الايام الماضية، فهذا يكفي ايها الشاب الشيق الفالح النبيه.
$
قال الراوي البط: انطلقت ثلاث بطات في رحلة طويلة لاستكشاف الدنيا، احداهن بمنقار ذهبي تمارس كتابة الشعر الحداثي، والثانية تسرق الآلات والاشواق وقت الحروب، والثالثة تفكر في قول احد السلف فيمن نجا كيف نجا؟. ولما عمن نهر السعادة وعبرن الى ضفة الخوف الكبيرة تراءت لهن اصوات جافة عمياء تخرج من حلوقهن. كنتُ حينها قد سمعت بقصة البطات الرحالات الثلاث، وخرجت الحق بهن، حتى التقيت بهن عند جبال الاطلسي أواخر الصيف. واخذت ادون مشاق وطرائف رحلتهن الطويلة. كان الناس يستقبلوننا في مدخل كل قرية بالورد والسجائر المعطرة. قال الراوي: وقد اعلن حاكم العالم حينها انتهاء حقبة المدن والعودة الى زمن الضفاف والقرى والاناشيد.
$
تسكن في الدور الثالث السيدة ن.حماد، في الاربعين، ضخمة وتمشي بتثاقل. تقضي فترة ما بعد الظهر في الخيالات الجنسية، تثيرها بعض الافكار والمناظر التي تراها من شباك شقتها المطل على شارع متفرع عن الشارع الرئيسي. تتخيل النساء كثيرا. تضع زينة فائقة على وجهها، وتبدل الاقراط في اليوم اكثر من مرة. قبل النوم تستغفر وتخاف ان تموت اثناء نومها. مد لي بواب العمارة ظرفا وقال لي انه من السيدة ن، من الدور الثالث. في الرسالة تدعوني الى الغداء وممارسة الاستمناء معا. تحدث هذه الزيارة مرتين في الشهر على الأكثر. ننظر الى بعض بعد الوجبة التي تعدها باهتمام كبير. قليل من الحديث، والصمت الطيب. ثم يحك كل واحد منا منطقته امام الاخر، واذا انتهينا ندخن سيجارة، ونلتقي في الموعد القادم.
$
وقع خصام بين جارنا ن.ن.ح والجار الجديد ح.ح.م. واجتمع حكماء القرية فقرروا ان يقيموا مأدبة او وليمة ويجمعوا فيها الجارين، ويدفعوا بالموقف ناحية التصالح المحتم. وهي خدعة نفسية ذهنية، تأتي بنتائجها الحسنة كل مرة. اذ إن تجمع الناس بنسائهم وأطفالهم وكبار السن وأهل الرأي معا، والمال الكثير المنفق على الأكل والزينة، كل هذا وغيرها من الحروب النفسي القصيرة، تدفع الى قبول التصالح من الطرفين حتى لا يقعوا في تشويه صورهم العقلية عند الناس، والموقف يضطرهم للتغلب على شهوات انفسهم ومطامعها. وفي اثناء تلك اللحظات الحرجة، خرجت اتنسم بعض الهواء البارد، كان هناك نور ابيض غريب مسلط على شيء ما في احدى هذه الاراضي الزراعية المتروكة. ولما اقتربت وجدت جملا واقفا بجانب اخر مقعد وكأنه لا يقدر على الحركة بسبب طعنة او كسر في قدمه او يده. لم يلتفت نحوي لما اقتربت منه، ولكن عينه كانت ترمش بانتظار ممل. وكأنها كانت غير مرتاحة لهذا النور الابيض المسلط عليها وسط هذا الظلام.
&
قرأت عند مكسيم غوركي هذه النقود عن تولستوي في ديستويفسكي.
" انه يكتب بلغة رديئة، ويجعل اسلوبه بشعا عن قصد - عن قصد. أنا واثق من ذلك، من قبيل التكلف. وهو يحب أن يلفت الانظار - ففي "الأبله" تصادف كلمات "وجنة" و "اختيال" و "دالة متباهية" مختلطة بعضها ببعض. أظن أنه كان يبتهج بخلط الكلمات الروسية العامية بكلمات من اشتقاق أجنبي. ولكنك تعثر على فجوات لا يمكن اغتفارها في كتاباته. يقول الأبله : " الحمار هو شخص نافع له قيمته"، لكن أحداً لا يضحك على الرغم من أن هذه الكلمات لا يمكن إلا أن تثير الضحك، أو شيئا من التعليق على أقل تقدير. يقول ذلك أمام ثلاث شقيقات يطيب لهن أن يسخرن منه، وبخاصة أغلايا."
وقد اعتبر الكتاب سيئا، لكن عيبه الرئيسي هو ان الأمير ميشكين مصاب بالصرع. لو أنه كان سليم العقل لكانت سذاجته الصميمية ونقاوة سريرته تؤثران فينا بصورة عميقة. ولكن دستويفسكي لم تواته جرأة على أن يجعل منه رجلاً معافى. وفضلا عن هذا فهو لا يحب الناس المعافين. كان واثقاً أن العالم كله مريض لأنه، هو نفسه، كان مريضا.
" كتب دستويفسكي عن واحد من شخصياته المجنونة أنه ظل طوال عمره ينتقم من نفسه والآخرين لأنه خدم ما لا يؤمن به. لقد كتب ذلك عن نفسه، كان من السهولة بمكان أن يقول ذلك عن نفسه".
- الحَّ مرة بصورة ملتهبة على أن ج.إ. أوسبينسكي كتب اللهجة المحلية لتولا ولم يكن موهوبا على الاطلاق، ومع ذلك خاطب أ ب تشيخوف في حضوري قائلاً: هذا كاتب حقاَ ! يذكر المرء عن طريق جبروت صدقه بدستويفسكي، ولكن دستويفسكي كان مولعاً بالكيد والتباهي - أما اوسبينسكي فهو اكثر بساطة وصدقاً. .....
"- كان ينبغي له أن يدرس عقائد كونفوشيوس أو البوذيين، ولو فعل ذلك لاستكانت روحه. ذلك الشيء العظيم الذي ينبغي لكل فرد أن يعرفه. لقد كان رجلاً يفيض شهوة عارمة حين يغضب تظهر أورام على صلعته، وتختلج أذناه. كان يحس كثيرا، ولكنه لا يعرف كيف يفكر، فقد تعلم التفكير من أتباع فورييه ومن بوتاشيفيتش وأمثالهم. ومن ثم عمر قلبه بالكراهية لهم طوال عمره. كان ثمة شيء يهودي في دمه. وكان عديم الثقة، مغرورا، ثقيل الطبع وتعيساً. ومن الغريب أن يقرأه كثيرون من الناس - فأنا لا أفهم لماذا يفعلون ذلك! فهذا صعب وتافه - جميع أولئك البلهاء، والمراهقين وأشباه راسكولنيكوف والآخرين لم يكونوا على شيء من هذا القبيل، فقد كان كل شيء أكثر بساطة وأكثر قابلية للفهم حقاً. لماذا لا يقرأ الناس ليسكوف في هذه الأيام ؟ انه كاتب حقيقي."
قلت لتولستوي: ديستويفسكي بعتلك كلمني شكرا.
$
الليلة كان الاجتماع السنوي لجمعية خفافيش البلدة. وصلتني الدعوة من مندوبهم العام بعد المغرب. وقفت على المنصة القي كلمتي المختصرة كالعادة وابارك لهم احتفالهم، وفي هذه الاثناء تذكرت حبيبتي البعيدة. لاحظ الامين العام تشتتي والارتباك الذي وقع. بعد العشاء وحين انفرد بي الامين في مكتبه، اشار الى الارتباك الغريب. نظرت الى كأس حليب البقر الطازج الذي اشربه، وقلت له: تذكرت حبيبتي البعيدة. انتهى الاجتماع مبكرا عند منتصف الليل، ومضيت اعود الى غرفتي في نُزل الشرق، لاحظت في الطريق ان انوار الشوارع مطفأة، وكلب جارنا رابض ينظر برتابة.
&
هناك طريقة سينمائية وقد نعتبرها تميل الى اجواء المسرح قليلا، وهي تلك اللحظة الاخيرة او ما قبل الاخيرة التي يتذكر فيها البطل فكرة عزيزة، او حدث قديم وقع له في طفولته او شبابه، او صورة او لوحة كانت تتوسط حائطا في بيتهم او بيت عمته، او قصة عابرة حكاها له جده او اباه عن شيء ما، او يتذكر قطة او اسم كلب جيرانهم وربما به عرجة في قدمه فيعرج الكلب حين يمشي، او يتذكر لعبته الصغيرة التي حصل او لم يحصل عليها، طبعا وهو يضعها في حكاية ما، او يتذكر حماقة فعلها يوما ومدى جمال سخفها الان، او مغامرة ما ويفاضل بينها وبين ما يحدث معه، وهكذا الى اخر المشاهد والافكار هذه التي لا تنتهي، والتي تمثل لكاتب المشهد او السيناريو الخلاصة ذات الانفجار الهادئ، ذلك الانبعاث الاخير الغريب من العقل اللاواعي او اللاشعور. والهدف منها ان تضيف معنا ختاميا حكيما او غريبا او يحمل طابع اليقظة، هو في العادة يتعلق بالمصير ومعرفة الامر، يعني معرفة ما سيؤول اليه بعد كل هذا القصة والانكشاف، وحتى لا اطيل في هذه الفسحة المناسبة، سأقول ان هذه المشاهد تصيبني بالضحك بيني وبين نفسي، ويحدث مرات ان يرتفع صوتي قليلا بقهقهة صغيرة، مع بعض الغثيان والتعب. نعم هذا بالضبط. يمكن ان تختم شيئا دون هذا. فقط لا تتكلم ، انه هذا المشهد، وشكرا.
$
يُذكر انه قبل اربعين سنة قامت القرية الصغيرة في وقت مبكر من ليلة على غير عادتها، على صوت خوار ثور يحرث مزرعة مهجورة. ويُذكر انه في تلك الليلة لُدغ صبي لامراة ارمل. فانتفخت قدمه لايام طويلة حتى طغت قدمه على القرية، وغادرها اهلها مجبرين الى رابية قرب الجبل. ولما سألته: ما الذي يحرث في داخلك؟ اجابني بصوت يشبه الصاعقة المطرية. لكني لم افهم لغته. وكل من تحدثوا معه في ليالي الصيف الصافية من بعيد حتى لا تصيبهم عدوى مرضه او بسبب عدم استطاعتهم الوصول اليه، لم يفهموا لغته الغريبة. وبعد شهور استوطنتُ قدمه المتضخمة مع بعض الصبية المغامرين. وكنا نأكل اكلا جديدا يختلف عما اعتدناه عند اهالينا. ما الذي اصابك؟. وما هذه الفكرة التي لا نفهم منها سوى نباح الكلاب وآذان الديكة؟. بماذا آمنت؟. كيف ولماذا؟. ثم اخذت شعور رؤوسنا تتساقط وتمشي على اقدامها. ولم نكن نلهث خلفها. بعد سنة عرقل تضخم قدمه جبل كبير، لم نكن نبلغه الا بعد مسير يوم كامل. وكنا نبصر الثور يعد على اصابعه اشياء ويفكر قليلا ثم يواصل العد ويتمتم بابتهالات طيبة، تجعلنا نبكي سريعا.
$
لا شيء يدعو الى العبث. كل شيء يدعو الى العبث. عمري عشر سنوات، اجمع بطاقات من اكياس البطاطس الرقيقة. لم يفتر الهواء في الطريق من البيت الى المسجد. وكان المطر يحفر جداول عكرة. المسافة بين شارع فؤاد والسينما سبع دقائق مشيا. كنت امشي ولا تدور في رأسي اغنية او ترنيمة. اخبروني ان صديقا لي ينتظرني ويتحدث عن ماله الذي اقرضني منذ مدة. ثم اجتمعنا بين صلاتي المغرب والعشاء فوق المسجد نأكل شعيرية الاندومي نيئة. قلت له: هذه افكاري؟. اما الرجل الذي كاد ان يموت وقد افرطت في الشراب، فاني تلقيته بيديّ، وبعثت له قصاصة بالحبر السري. وكانت اذناي تلتقط اصوات الديكة والكلاب والشاحنات عند الفجر فلا ترسم شيئا.
$
في تلك الليلة حدثت جريمة ارعبت اهل البلدة الهادئة الصغيرة. وانتقلت منها الى بلدة اخرى باردة حينما ادركت ان القاتل يتتبعني. لم تكن لي علاقات سوى بعامل محطة الوقود والبائع في متجر المحطة، ونحن نتبادل التحيات الصباحية والمسائية. بعد شهر حدثت جريمة اخرى، وعادت لي ذكرى تلك الليلة وصورة القاتل وهو يراقبني. ابتعت مسدسا، ووقفت في الطريق اطلق النار على المارة. كان يهربون مذعورين.
$
منذ قليل هبطت على شجرة في نجم قديم. خدشت وجهي الغصون الشوكية وتخرب هندامي. بعد ما يقارب ساعة مسحت فيها المكانات القريبة قررت ان يكون سكني عند الشجرة. نمت نوما هنيئا، حتى ايقظني صوت قطرات تسقط في تتابع زمني دقيق. هجست ان طيرا ما خطف من فوق رأسي، وشعرت بريح باردة تأتي علي. ولما مضيت قليلا تبعتني الشجرة بخطوات متثاقلة. بعد اسبوع تفجر جزء طرفي من النجم. ولاحظت ان النار التي خرجت منه كانت بلون اللؤلؤ وتلمع. كنت اعتقد اني سأتعلم ميزات جديدة من العيش على النجم. استيقظت اخر السنة في وقت الضحى الليلي وكانت نمور افريقية تعبر بجانبي ولا تنظر الي كثيرا.
$
انت تريد ان تكون فنانا؟. لكنك مريض؟. ارتعاشة في يدك؟. تنبت في رأسك مواسير نحاسية؟. تفكر انك فعلت شيئا لم تفكر عنه او فيه؟. ثم تفكر انك فكرت انك لم تفكر حين فعلت شيئا؟. وترتعش يدك؟ وتهش بها فوق رأسك؟ قد تبيض حمامة داخل رأسك؟. تريد الرضا؟ وتمشي على قدمين ولا تسقط؟. تتبول على الحائط وتراقب حبات الحصى القليلة البيضاء في اسفلت الشارع؟. قد تضطرب معدتك؟ لا تريد ان تصبح مجنونا؟. تتكلم بطريقة مقبولة الى الناس؟. وماذا يفتنك؟. تبقى متكوما على السكون؟. وتصرعك فكرة الوجود؟. تفكر في كتابة قصة عن عقل حمامة؟. او رجل كهل يكتب الى جاره بشأن حنينه الى ابنته التي ماتت قبل خمسة وعشرين سنة؟. تعود الى نفس الطرق والمكانات؟ تتوسل الرغبة في فعل شيء؟. تكون جادا وهازئا بالناس؟. وترتعش يدك؟
$
البارحة عند الساعة الثانية ليلا وقبل ان انام سمعت طقطقة في حوش بيتنا وانا اغلق النافذة. نزلت على اطراف قدمي حذرا حتى لا اصدر صوتا. واخذت امسح الحوش بتوجس وارتقاب. ثم بعد نصف ساعة ضرب بركان مجلجل ساحة الفناء واحرق منازل جيراننا المصنوعة من خشب شجر الصنوبر القوي. حفلت بمسألة البركان قليلا. لكن أي دم لم يتصاعد الى وجهي. وبقيت مرحا اتجول في الحوش. واضرب يدي في الهواء كأني ادق مسمارا في جدار عنيد. بعد المحطة الاخيرة، وحين كان الصمت يغلف الليل وكانت الدنيا طيبة والناس متمددين في نومهم العميق، امسكت بيدي طفلة تتألم، تنظر في عيني مباشرة وكأنها تريد ان تخترقني، وتقول لي :" هكذا اردت انت يا جورج دانادان.. هكذا اردت!". باكرا في تلك الصبيحة هدأ البركان، وقعدت الاطف الحشرات والاشعار فوق اوراق الشجر. وجاء الليل مرة اخرى. وعند الساعة الثانية ليلا، خرجت الطفلة تقول لي : محظوظون انتم .. تعرفون مذاق النوم في الليل.. انا اتألم ولا انام!
&
كم اود ان يكون لي قلب شجاع. فحين اجلس على الأريكة وقد انفث الدخان وقد لا انفثه، اتحدث عن الحرب، فأقول اني وقفت الى جانب هذا الصف لأن هؤلاء قد اُعتدي عليهم في ديارهم المطمئنة. ثم انتقل ببصري الى سقف الصالة واسرد وقائع وصور تؤيد حديثي. وقد استطرد فاروي شيئا من قصص الحروب والاعتداءات من التاريخ، لاستشهد بها على رجاحة رأيي، ووجاهتي كرجل كريم متحضر ولي اهتمام بالثقافة. ثم امضي في حال سبيلي، لا اعود بيني وبين نفسي الى ما قلته، ولكني انتشي بما قلته واثرته. فلا تعني لي الحرب مثل حديثي عنها، وهذا الدمار لا يكون دمارا اذا رايت وانا على الاريكة انه لا يكون دمارا، لأنه يسحق الاعداء وحدهم. نعم، كم اود ان يكون لي قلب شجاع، فابصر جيدا الاعداء. ثم انتاولهم في حديثي الثقيل واقرعهم وربما اشتمهم واكيل لهم بمكاييل.
$
جذبني من يدي وهمس لي: أنا والله لست مجنونا، ولكني اعتقد بأن لي نصف مشنوق في تلك الأنواء. تأملت في عينيه الصغيرتين، وهو ينزف مجدداً. " هناك أغنية مبتورة مني مزروعة في أحد هذه الأنواء"، وعدت امضغ مكرها جنونه.
- ربما تقصد شاردة
- بل مبتورة، لا تتوهم فصلاً اخراً من الحديث، إن هذا سيغير المعنى..
جذبني من يدي، وهمس لي : البارحة تفتت صخرة تحت عجلات شاحنة الزيت، كانت تصرخ وهي تتلوى، وحين جاءت مركبة الاسعاف اتهموني بالجنون، قبعت ثلاثة ساعات اشرح لضابط الشرطة كيف تبكي الأشجار بذورها، رسمت له على الحائط وعلى الهواء مخاضات الشجرة وهي تلد بذورها في جوف ثمارها، تأملني حزيناً، ثم قادوني إلى المشفى.
كان هذا الرجل، لاصديق، يبرر أصوات الأفعال، أنت تنام ثم تضيع، أين تضيع، وأعييته مشكلة الضياع في النوم، لنقل انها قاصمته الكبرى. اخذني مرة إلى جبل ضرم في القرية، ولما انقطع الطريق في شكل دائرة في رأس الجبل، همس لي وهو يجذب يدي، وقد تجدد في عينيه بريق: أترى هذا المركز الصحي ولكن أين الطريق، لقد اختفى الطريق، أين اختفى؟. ساعة من الزمن امضيتها مع هذا الرجل ليبهرني بهذا النتيجة. كنت اتردد أن اوصمه بالحمق أو الجنون. ومرة قال لي: لا تغمض عينيك، سأسألك، حمار، كلمة حمار، كم بها حرف؟
- أربعة
- ما هي ؟
- ح م ا ر
- لا لا، كيف تتهجأ هذه الأحرف؟
- الحاء و الميم...
- والحاء هذا أليس به أربعة أحرف؟
- بلى
- إذاً، عليك أن تتهجئه أيضاً؟
- كيف أقول؟
- لا ادري.. جرّب
- الحاء، به ا ل ح ا ء، ألف لام حاء...
- والألف الذي هو الحرف الأول من الحاء به ألف ولام وفاء..
-....
- كل حرف به نوء فاتر مهزوم منذ ملايين السنين، علينا أن نعيد لها اخضرارها.
- كيف ؟
- لا عليك، هناك قطارات مفقودة في هذا الليل.
نحن جئنا من شجرة، الآن في لحاء كل شجرة طفل يتخلق، ألسنا نلتهم البرتقالة المدورة الناعمة، ثم تجري في دماءنا، والماء الطاهر أليس هو صفاء ذلك الدم، أنت برتقالة.. أنت الآن تينة أو برشومة ما، أكلها جدك الأكبر وهو يحرث بلاده تحت جبل خطمة قبل عشرات السنين.
5/11/2012